هو العلّامة الفصيح الشيخ محمد بن الشيخ عبدالله بن الشيخ أحمد بن الشيخ عبدالله بن الشيخ محمد بن عبدالقادر. كان يُلقب عند علماء الأحساء بسحبان وائل لفصاحته وبلاغته وكمال ذكائه. مدحه تلميذه الشيخ السيد عبدالجليل الطبطبائي في حديثه عن شيوخه بالأحساء فقال:
ومن أصــلـه الأنصـار شـيـخي مـحـمـد | هــو الــبــحـر عــلـم بالـفــضائـل زاخـــر | |
فــصـاحــتــه أودت بــسـحــبـان وائـــل | عـكـــاظ بــه فـي الـمـعـربــين تـفـاخـــر |
أرسله والده إلى الدرعية, فقرأ على العلّامة المحقق الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب علم الأصول, و العقيدة السلفية, ثم رجع إلى وطنه بعد أن مكث في الدرعية ثلاث سنين، فأخذ عن أبيه الشيخ عبدالله بن أحمد فقه الإمام الشافعي رحمه الله, و أخذ علم العربية عن الشيخ أحمد بن غنام المالكي, و أخذ علم الفرائض عن الشيخ أحمد بن حسن بن رشيد الحنبلي.
برع الشيخ –رحمه الله- في اللغة و مهر في الفقه الشافعي و تبحر في دراسة العقيدة، فما كان إلا وأن تولى القضاء في المبرز، وقد أوقف الإمام فيصل بن تركي عليه و على ذريته الجامع الذي بناه عام 1271 هـ، وقصته أن الشيخ محمد بن عبد الله ذهب إلى الرياض بطلب من الإمام فيصل بن تركي بصحبة ابنه الشيخ عبدالمحسن و خادمه إبراهيم بن فرحان, و بعد و صوله إلى الرياض أمر الإمام فيصل بن تركي بإنزاله في منزل بحي الظهيرة بجوار منزل أخيه الأمير جلوي بن تركي.وكان الشيخ محمد بن عبد الله يذهب كل صباح إلى قصر الحكم, و يحضر مجلس الإمام فيصل مدة إقامته بالرياض ثلاثة أشهر, و عندما هم بالرجوع إلى وطنه طلب الإمام من الشيخ رحمه الله أن يطلب ما يريد, فأخبره بأنه لا حاجة له إلا حاجة واحدة يطلبها منه, وهي بناء مسجد كبير يقضي على تبعثر أهالي المبرز في صلاتهم يوم الجمعة في مساجد صغيرة متعددة فرحب الإمام فيصل بذلك, مشترطاً أن يكون الشيخ هو الإمام و الخطيب ويكون الحامع وقفاً عليه وعلى الصالح من ذريته.
كان الشيخ علماً في زمانه، ذائع الصيت والمعرفة. ولم تكن شهرة قاصرة على الأحساء فقط، بل وصلت شهرته إلى الأمصار المجاورة، فكان مقصداً للعلماء والفقهاء من مختلف المذاهب الفقهية. نذكر بهذه المناسبة رسالة من بصرة العراق من الشيخ السيد حسين بن جعفر الإدريسي المغربي المالكي يطلب من الشيخ محمد كتباً في الفقه المالكي لم يستطلع الحصول عليها في بلده، فأرسل إليه هذه الرسالة:
بـقـيـت سليمـا لا تقـابـل بـالـردى | ولا مـدت الدنـيــا لك يــد العــدا | |
ولا شـاب صفـو العيش منـك تكـدر | ولا بات جفن العين منك مسهدا | |
ولا زلــت مـسـرور الفـؤاد مـمـتـعـا | بكل الـذي تهـوى وجانبـك الردى | |
ولا زلــت حصنا للأفاضـل سـيـدي | مـنـيـفـا وركنا للعلـوم مـشـيــدا |
وكان -رحمه الله- مرجعاً لعلماء ولقضاة الأحساء يستشيرونه في أمور الفقه والعقيدة والقضاء، ومن هؤلاء العلماء الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ الذي كان يراسل الشيخ محمد فيما يُشكل عليه في أمور العقيدة. فلا عجب أن كان مقصداً لطلبة العلم من بلاد فارس و عمان و اليمن و جمّ غفير من أهل الأحساء، ومن أشهرهم:
و مع كل المهام الذي كان يقوم بها، كان الشيخ حريصاً على اقتناء الكتب الصحيحة في الفقه والحديث والعقيدة، وله في كثيرٍ منها حواشي نفيسة تدل على سعته علمه وفقهه. وقد قام بنفسه بنسخ العديد من المخوطاطات إضافةً وإثراءً لمكتبة أسرته. ومن هذه المخطوطات:
توفي الشيخ محمد بن عبدالله سنة 1288 هـ، وقد أنجب عالمَين جليلين هما
عبدالمحسن و علي، وكان علي أغزر علماً ومكانةً.